الجاحظ في معرض الكتاب

الجاحظ في معرض الكتاب

  • 30
  • 2024/02/15 01:25:10 ص
  • 0

نوزاد حسن

حين استمع الى توقيت انطلاق اي معرض للكتاب في بغداد اتساءل عن وضع الكتاب ومستقبله، وكذلك تشغلني قضية ابتعاد الكثيرين عن قراءة الكتب، ناهيك عن امكانية الحديث عن الكتب مع زملاء العمل او كثير من الاصدقاء.

الكتاب غريب جدا في حياتنا. ويبدو ان تسليات شخصية كثيرة حلت محله. ولم يعد لسعادة الجاحظ من ممثلين حقيقيين في واقعنا. أقول: ترى كم شخصا بعد ثورة وسائل التواصل يشتري كتاب وهو يشعر في داخله انه حصل على هدية طفولية وعليه ان يكتشف هذه الهدية. ثم لا يطيق صبرا فيمد يده الى الكيس ويتلمس الكتاب كما يتلمس طفل هدية يحلم بالحصول عليها. هذا الشعور بحيوية الكتاب في حياتنا صار حالة نادرة الا عند بعض ابطال الثقافة الذين يتمتعون بصبر نجيب محفوظ على الجلوس طويلا في مكتبه باحثا عن لحظات صافية تفيده في كتابة عمل روائي. مثل هذا الصبر الذي يرتبط بمتعة غير حسية هي السر المفقود والذي ربما عثر عليه قلة من مثقفينا.

اعجب مثلا لبحث المثقف العراقي عن حضور فيزيائي دون حضور متعة الحديث عن كتاب ما او فكرة شخصية. الحضور الفيزيائي هو تواجد المثقف في كل مكان يرتبط بالثقافة. انا لا انكر على المثقف ان يكون حاضرا في جلسة ثقافية او حضوره توقيع كتاب من الكتب. ما لا افهمه تلك الرغبة في التواجد في اكثر من مكان يوميا.

يفضل اكثر الكتاب ان يظهروا هنا وهناك. ان يلتقوا في جلسات سمر, وان يسهروا للصباح, وان يتحدثوا عن علاقاتهم وخصوماتهم الشخصية. وفي مثل هذه الدوامة يختفي اهم دواء في حياة الانسان, اعني الكتاب. ان التنقل واللقاءات المتكررة اليومية تقتل عفوية نجيب محفوظ الذي كان يعمل بصمت وعزلة كبيرتين. وفي النهاية سيكون حضور المثقف الفيزيائي تدميرا لحضور الكتاب. اذن هي معادلة واضحة تقول؛ كلما ازداد حضورك الفيزيائي قلت ساعات قراءتك.

ومع ذلك فانا افرح حين اشاهد كتابا جيدا يطبع. واشعر بامان كبير حين تستمر مؤسسة المدى في عملها التنويري العظيم. واكاد اتخيل طابور الجهل يضعف وينتهي مع كل كتاب يصدر, ومع كل فكرة جديدة تجد مكانها بين الناس.

لكن الا يعني ما اقول اننا في حاجة حقيقية الى ادراك قيمة الكتاب في حياتنا؟, والى معرفة اهمية القراءة في تغييرنا كافراد؟.القراءة كما اظن هي فن تحمل تهديمنا من الداخل, ونسف قناعات غبية اصدقها, كأن يقال ان كتاب الغزالي احياء علوم الدين كتاب غير جيد لان بعض احاديثه ضعيفة. لذا انا اتساءل كيف اتخلص من هذا الرأي المضحك. الجواب:اتخلص منه بالقراءة التي تصبح مع الوقت احساسا بالسعادة. اما اذا كنا نقرأ لنتعلم تقنية كاتب روائي غربي لتقليده فلن يكون مثل هذا القارئ الا شخصا يريد ان يتعلم السباحة من خلال كتاب يتألف من خمس صفحات.

القراءة اذن لا تعلمنا تقنيات محددة. انها تعلمنا التخلص من شعورنا التقليدي المريض بان العالم يخضع لسيطرتنا, لذا لا حاجة لاي تغيير يبدأ من داخلنا.

أعلى