مظفر النواب

مظفر النواب

  • 1292
  • 2020/12/08 08:39:17 م
  • 0

علي حسن الفواز

سيدي الشاعر الماطر والحالم مظفر النواب

محبة بفيض الشعر وطراوة العراق

نحن على يقين انك تمسك الحياة مثلما يمسك الشاعر حبّات القصيدة ،،وان سنواتك البيض تلملم العمر مثل (جكليت) العروس ، تمنحه توهج الروح وارتعاشة الفرح بين الاصابع،، وربما تشعل امامه شموع القديسين الذين يغسلون الحياة عند لحظة الاعتراف ومواسم البهجة ..

نحن على يقين سيدي الشاعر ،انك تكبر مثل البلاد ،مهما كثر الغزاة عليها،وازدحم العابرون على شوارعها ، وضاقت الجادات بمحاربيها واختلط الحافر بالحافر ،وكثر الشامتون والشاتمون!

وانفضّ عن مجلسها السمّار المغشوشون ووعاظ السلاطين ،وهرب عن دواوينها شعراء الاكاذيب واصحاب الرايات والكوبونات ،،فهي تفيض دائما بالاتساع و البقاء ،لان الاشياء العظيمة التي تعلمنا اناشيدها واسحارها وحكاياتها واسرار لياليها ودروسها وقصائدها التي جرت في الجسد واوغلت في الروح مثلما هي رعشات عاشقة ... العراق ،والمدن العالية ،والمنائر المتوهجة بالادعية ، الامهات الطيبات والمياه التي توغل في اليباس والامكنة المكشوفة على اوجاعنا ومراراتنا وسنواتنا الهاربة ،الجواهري الكبير ،ومظفر النواب الباذخ مثل بلاد لاتنزع روحها ،،، كل هؤلاء ياسيدي لايشيخون بالحياة والموت ولا تضيق بهم السبل والمنافي مهما اتسعت !! ولاينوءون بحمل السنوات وجروحهم المكشوفة للسكاكين ،لانها تحمل روح كلكامش العراقي ،هذا الذي رأى كل شيء فغنت بذكره البلاد وعرائس الماء وجنائن المقدس ..نحن على يقين سيدي الشاعر ان قلبك الكبير الذي انكسرت عنده المنافي والمحابس واوهام الظالمين ، يرتعش مثل قلب طفل غضّ !! يبكي من فرط الحزن واللوعة ،لكنه يتسع ويتشهى وينوح مثل قصيدة طازجة تعرّش اصابعها كالحسناوات بالحنّاء،، تمدّها طاعنة في فضاء الغبار،تنوش منه ماتستاف به الروح شوقا وتذكرا وانشدادا ... قلبك المتوثب ياسيدي ،،الصائت والمسكوت والمسكون باحلام الفقراء والعشاق ،مازال يشاطرك شغب الشعر وحرائق الاحتجاج و لذة الانصات الى الوطن وهو يهمس لحبيبته غزلا حارا مثل غزل الليالي العراقيات !!وربما يمسح بين يديك عن وجهها غبار الحروب وعوالق ماتركته برديات الهور وجروح المناضلين الذي شققوا الامكنة والقلوب والقصائد ليضموا الوطن بين جوانحها مثل جرح غائر ...سيدي الشاعر

عند كل لحظة عراقية يحضر فيها الوطن والشعر ، تأتي ايها النواب بكل الحنين والبكاء والصوت المثلوج ببرد الروح وبحّاته المغلولة بالوجع ، تمارس توهج الشاعر واحتجاج المناضل ،وصفاء المتأمل الذي يحلم بوطن/بيت/شارع/مدينة يتشح بالبياض ،ويفرش امكنته وحدائقه واغفاءاته واحضانه لصانعي البهجة والسعادات النبيلة ،مثلما عودتنا ان تحضر ايها النواب الصاخب والساخط على الكراهية والخنوع ومشعلي الحرائق وقاتلي الابناء والعاطلين عند الجمال واللذة والاحلام ....

نعم ايها الشاعر الابهى ...

لقد اضحت قصائدك تاريخا يمشي بيننا ، ومناشير لم تعد سرية تفيض بحرارة الموقف وقوة الفكرة وسمو العبارة ، تعلّم الابناء ان الطريق الى الحياة هو الطريق الى العراق دائما ، العراق الذي نعرف ونعشق ونبكي !!!!

يهبط بيننا (حمد) عن (ريله) القديم، يفزز النائمين ويرش على وجوههم ماء الورد ، يمنحهم صحوة المكان مثلما يمنحهم صحوة البقاء والثبات ...يحضر (صويحب) المدجج بذاكرة القوة وفصاحة الموقف الابيض دون دغش او غوايات ،،، ويحضر (حجام البريس) بكل قلقه النبيل يتعالى على عسس الليل وعسس الفكر ، يفترش وطنا يحاول ان يصحو ، يحاول ان يمسك الحلم ، يحلم ان يحفظ عش الطيور وعش الاهل ،،،،وطنا يطرد القبح ويطرد الرمليين الذي ملؤوا حياتنا شحوبا وعطشا وضلالة ...ويحضر ايضا (المعلم) الانيق من متوسطة (الكميت) في الكاظمية ليفرش دروسه في النحو والبلاغة والصوت ،وليقل لطلابه ،هكذا نكتشف العالم وكروية الارض وكروية الفكرة ..سيدي الشاعر ..لا أعتقد انك واحد عابر في ذاكرتنا ! أو محارب علقت خطواته عند الجنوب واهواره او عند سجون المدن الدائخة بابنائها ،،، المحاربون القدامى والجدد سيركبون البنادق على اكتافهم حين تأتي !! فلا اظن ان احدا يخون ذاكرته ويرمى حجرا على تاريخ مدننا واهوارنا وشواظ حنيننا ورومانسيتنا ولوعاتنا النبيلة ،،ولعلك ياسيدي المحارب اكثر اسمائنا ضجيجا وحياة وانت تمارس وجع التذكر ووجع الانصات الى ذاكرة المدن والامكنة وهي تسيل مثل جرح مفتوح !! ياسيدي نحن بحاجة الى صوتك الفائر فينا لكي نتلمس جروجنا التي لم تندمل بعد ، ولكي نعاود الجلوس الى مواقد الكلام المباح ،وفيض الفكرة وهي تصحو مثل ثائر نام على مخدة من ماء ،، نحن بحاجة حقا الى لحظة نوابية عاصفة ،مثلما احتاج اللبنانيون الى لحظة فيروزية حين حاصرت الحرب من الجهات الخمس وقاتل الاهل بعضهم بعض !!!العراقيون يبحثون عن شعراء بامتياز المصلحين !!! يبحثون عن شعراء بامتياز الاباء ،،،فقد اكلت حروب الهويات والشوارع والسيارات نصف احلامنا ، تركت اولادنا عند احلامهم القديمة يبحثون عن ابطال المثيولوجيات ،انهم يرشون السماء والمخدات واحضان الامهات بالامنيات؟ فكيف لا نبحث عن يقظة يانعة ؟ وعن اسماء تفرش ذاكرتنا بالاطمئنان ؟ .

ولعلي هنا يا سيدي الشاعر استميحك المحبة بالدعوة مع كل شعراء الدنيا لكي نطلق عصافير السلام للعراق ، هذا العراق الذي أخذته حروب الاباطرة الى الاف الميتات ، نزعت ثيابه وعرائش حكمته ، وثياب ملوكه ، نفرش لك ارض العراق بمحبتنا ،وندعوك الى بيتك البهي ، لتعمره بالشعر والحكايات ،ولتغسله مثل سنواتك بالماء الزلال من براثن البغاة والغلاة ...فعراقك رغم كل المحن ورغم كل الخرابات المصنوعة مازال عصيا وبهيا ،ومازالت قلوب محبيه ومريديه عامرة بايمان الفكرة ،وعظيم الشكيمة ،وارتعاشة العشق ،ينتظرون فجرا لملموا لضوئه (الصينيات) والهلاهل منذ زمانات بعيدة، ربما يتأخر كعادته مثل هلال الفرح، لكنه يأتي ويفرش ضوءه للابناء الطيبين الذين مازلوا هم كما عرفتهم منذ سنوات الاسى و الركض على الجمر ...سيدي الشاعر..اخوانك وابناؤك الادباء في عراقك الجميل رغم كل يوميات الفخاخ وحروب الطوائف ورغم كل ما يقال عنهم !! من غش القول وعطالة الوعي والمسؤولية ، يدعونك الى لحظة الوطن الذي تحب ،،،تتملكهم دائما مشاعر الحب والدعاء بان تكون المعافى ابدا ، والمترع بالحياة ،والصائت بعلو الكلام ، لان صوتك سيدي الشاعر ذاكرة حية للوطن ، ذاكرة وخارطة للامكنة ولنضال الحالمين من اجل غد اجمل ووطن اكثر بهاء..

ندعوك سيدي الشاعر دون طقوس ودون مواعيد ، ندعوك مثل (خيط العافية) يمر على الامكنة لتنوش منه اليسر في البوح ..الصحة والسلامة لك سيدي الشاعر ولسنواتك السبعين توهجا وغنى ، ودمت لنا فيضا مازلنا ننهل منه روحا تتوهج فيها قصائد تمشي مع اطفالنا الى مدارسهم والعشاق عند حضرة محبيهم والحالمين مع لحظات توثبهم الى وطن يكبر ويعلو رغم كل اوهام المحاربين الصغار..

ودمت سيدي الشاعر.

أعلى